المتنبي

 

لما طلعت شمس المتنبي كُسفَت نجوم باقي الشعراء و أبطل شعرُه شعرهم، فكانوا يحسدونه ولا يقفون عن الوشاية به عند سيف الدولة الحمداني.

فأول ما يصدمُ العظيم، حين يلمع نجمه، حسدُ الحساد. وقد كان حول سيف الدولة شعراء، كان رزقهم من عطاياه 

وكانت كبرياء المتنبي وفخره بشعره وتعاليه عليهم ما يزيد حسدهم وغيظهم. 

وكان كذلك غير الشعراء يحسدون الشاعر الأبي على مكانته و ينتقدون تعاليه و تعاظمه، وهل هناك ما يُرضي هؤلاء الحساد من رجل جعل الدهر واحداً من رواة قصائده؟ اذا قال شعراً أصبح الدهر مُنشداً، وغنّى به من لا يُغنّي مُغردا!! 

في ذات يوم دخل المتنبي مجلس سيف الدولة،وكان المجلس غاصاً بالأمراء والشعراء والعلماء،وليس فيهم إلا حاسدٌ له وناقم عليه. سأله سيف الدولة: 

- ماذا أعددت لنا في مجلسنا هذا؟ 

فنهض المتنبي و راح يُنشد شعراً يتظلم فيه من التقصير في حقه، وفيه عتاب قاس لسيف الدولة الذي فتح أذنيه لوشايات أعدائه. 

ولما ردد المتنبي قوله:

 

مالي أُكتِّم حبّاً قد برى جسدي

          وتدَّعي حبَّ سيف الدولة الاممُ؟

 

همَّ جماعةٌ بقتله في حضرة سيف الدولة لشدة تكبرُّه على الامير.. ولكن المتنبي واصل إنشاده:

 

يا أعدلَ الناسِ إلا في معاملتي

          فيكَ الخِصامُ، وأنتَ الخصمُ والحَكمُ

 

فنهض أبو فراس الحمداني غاضباً وقال:

- إنك تمسخُ قولَ غيرك، أهكذا تسرق الشعر!؟

فلم يُبالِ المتنبي بكلامه، وقال:

 

إذا رأيتَ نيوبَ الليثِ بارزةً

          فلا تظُنّنَّ أنَّ الليثَ يبتسمُ

 

فأدرك ابو فراس أنه يعنيه بقوله، وأنه يُحذر سيف الدولة من الغدر. فصاح:

- ومن أنت ايها الحقير حتى تنهشَ أعراضَ الامير في مجلسه!؟ 

فاستمر المتنبي في انشاده، حتى قال:

 

سيعلمُ الجمعُ ممن ضمَّ مجلسُنا

          بأنني خيرُ من تسعى به قَدمُ

أنا الذي نَظر الأعمى إلى أدبي

          وأسمعتْ كلماتي من به صَممُ

 

فما زاد ذلك أبا فراس الا غيظاً وحنقاً.ولما انتهى المتنبي الى قوله:

 

الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني

          والسيفُ والرمحُ والقِرطاسُ والقلمُ

 

قال ابو فراس:

- وماذا أبقيتَ للأمير من فضل إذا وصفت نفسك بكل هذا؟! 

إلى أن ضَجِر سيف الدولة من كثرة المناقشة في هذه القصيدة، وكثرة دعاوي المتنبي فيها، فضربه بالدواة التي بين يديه، فقال المتنبي على الفور:

 

إن كان سَرَّكُمُ ما قال حاسدُنا

          فما لجرحٍ إذا أرضاكُم ألمُ

 

حين سمع سيف الدولة هذا البيت قرّب اليه المتنبي و قبَّل رأسه وكافأه.

هكذا استطاع المتنبي بسحر لسانه ان يقهر خصومه و يرد كيدهم في نحورهم.

 

نبض أقلام
بواسطة : نبض أقلام
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-